العمل القضائي المغربي

دور الخبرة الطبية الشرعية في إثبات الخلل العقلي الباحث : محمد باحمدي

[]

دور الخبرة الطبية الشرعية في إثبات الخلل العقلي

The role of forensic medical expertise in proving the mental disorder.

 

الباحث : محمد باحمدي

طالب باحث بسلك الدكتوراه

مختبر البحث: الشريعة والقانون والمجتمع كلية الشريعة بفاس جامعة سيدي محمد بن عبد الله

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025

رابط تسجيل الاصدار في DOI

https://doi.org/10.63585/KWIZ8576

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

دور الخبرة الطبية الشرعية في إثبات الخلل العقلي

The role of forensic medical expertise in proving the mental disorder.

 

الباحث : محمد باحمدي

طالب باحث بسلك الدكتوراه

مختبر البحث: الشريعة والقانون والمجتمع كلية الشريعة بفاس جامعة سيدي محمد بن عبد الله

ملخص:

يحتل الإثبات الجنائي مكانة خاصة في الخصومة الجنائية، لأن موضوع الدعوى الجنائية يتوخى ابتداء الكشف عن الحقيقة التي في ضوئها تتحدد إدانة المتهم أو تتأكد براءته، وللوصول إلى هذا الهدف يعتمد القاضي على مختلف الأدلة الممكن الاستعانة بها بما فيها الأدلة الفنية المتمثلة في الخبرة الطبية الشرعية، هذه الأخيرة تعد بمثابة تنوير لمدارك القاضي في المسائل الفنية التي لا يمكنه البت فيها بسبب طبيعتها التقنية التي تستند إلى معارف علمية خاصة، ومن ذلك مسألة إثبات وجود الخلل العقلي بتزامن مع إتيان الجاني لأفعاله المجرمة ومدى تأثير ذلك على إدراكه وإرادته، لأن فحص السلامة العقلية للجاني تتطلب معارف طبية لا تتوفر إلا عند الخبراء المتخصصين في الطب النفسي والعقلي، وبالتالي فالخبرة الطبية الشرعية هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها الكشف عن الحالة العقلية للجناة وقت ارتكابهم للجرائم المنسوبة إليهم، الأمر الذي يجعلها تحتل مكانة رئيسة ضمن أنظمة الإثبات الجنائي في مجال تحديد المسؤولية الجنائية.

الكلمات المفتاحية:

الخبرة الطبية الشرعية، الإثبات الجنائي، السلطة التقديرية للقاضي، ندب الخبراء.

Abstract :

Criminal evidence occupies a special place in criminal proceedings, as the purpose of the criminal case is primarily to uncover the truth, based on which the defendant’s guilt is determined or their innocence confirmed. To achieve this goal, the judge relies on various possible forms of evidence, including technical evidence such as forensic medical expertise, this type of evidence serves to enlighten the judge’s understanding in technical matters that they cannot rule on due to their specialized scientific nature. One example is the issue of proving the existence of mental disorder at the time the offender committed the criminal acts, and how that disorder may have affected their awareness and will, Assessing the offender’s mental soundness requires medical knowledge that only experts in psychiatry and mental health possess. Therefore, forensic medical expertise is the only means through which the mental state of offenders at the time of committing the alleged crimes can be determined. This makes it a key component within criminal evidence systems when it comes to determining criminal responsibility.

Keywords:

Forensic medical expertise, Criminal evidence, Judicial discretion, Assigning experts.

مقدمة:

تعد المسؤولية الجنائية من أخطر المسؤوليات التي يمكن للفرد تحملها وأشدها صرامة؛ لأن نتائجها في الغالب تكون وخيمة تنال الشخص في حياته أو حريته أو ماله، فهي تثار عند ارتكاب أفعال مجرمة تسبب اضطرابا داخل المجتمع مما يشكل خرقا لقواعد التعايش الاجتماعي، مما يتعين معه توقيع العقوبة على مرتكبها من أجل استرداد العدالة كرامتها التي انتهكت بفعل الجريمة قصد نشر الطمأنينة وتثبيت قواعد التعايش الاجتماعي.

وفي الميدان الزجري لا يكفي ارتكاب جريمة من طرف شخص ليقال إنه مسؤول عنها، بل يجب أن يكون أهلا لتحمل مسؤوليته الجنائية عن هذا الفعل، ذلك أن قيام هاته الأخيرة رهين بإتيان السلوك المجرم من طرف الفرد، مع توافر عنصري الإدراك و الإرادة بوصفهما قدرات نفسية كامنة توجه السلوك الخارجي، أي أن تحمل المسؤولية يكون بعد إتيان السلوك المجرم من قبل الفرد وهو بكامل قواه العقلية، وهو ما نص عليه المشرع الجنائي في الفصل 134 من مجموعة القانون الجنائي حينما قال: “لا يكون مسؤولا و يجب الحكم بإعفائه، من كان وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه، في حالة يستحيل عليه معها الإدراك والإرادة نتيجة لخلل في قواه العقلية“.

والطريق إلى إثبات وجود أو انتفاء الخلل أو الضعف العقلي لدى الجناة يمر لزوما عبر بوابة الخبرة الطبية الشرعية التي تبقى السبيل الوحيد للكشف عن هاته المسألة التي يغلب عليها الطابع التقني؛ لأنها تتطلب معارف لا تتوفر لدى القضاة بحكم تكوينهم القانوني، الأمر الذي يدفعهم إلى طلب رأي أهل الاختصاص من الخبراء في الطب النفسي لتنوير مداركهم حول طبيعة الخلل الذي يعاني منه (أو يدعيه) الجاني، وتحديد مدى مزامنته للفعل الجرمي المرتكب من قبله، إضافة إلى تأثير هذا الخلل على إدراكه وإرادته ليتسنى للقاضي تحديد درجة مسؤوليته الجنائية.

وكما هو معلوم فإن أساس تحديد المسؤولية الجنائية هو النتيجة المتوصل إليها من قبل الخبير النفسي والمضمنة في تقريره الموجه إلى ساحة القضاء، والذي إما أن يقر بثبوت خلل عقلي أثر على إدراك وإرادة المتهم بتزامن مع إتيانه للجريمة المنسوبة إليه، أو يقر بسلامته العقلية وقت ارتكابه لجريمته، والقضاء مدعو إلى ترتيب الآثار المناسبة على الجناة وفق النتائج المتوصل إليها من طرف الخبراء النفسانيين، مع تحديد درجة مسؤولية الجناة التي قد تتراوح بين المسؤولية الكاملة أو المنعدمة أو الناقصة.

وتظهر أهمية موضوع الخبرة الطبية الشرعية ودورها في إثبات الخلل العقلي في كونه يسلط الضوء على وسيلة الإثبات الوحيدة التي يمكن الاستناد إليها لتحديد درجة مسؤولية الجناة، مع تحديد الأدوار الهامة التي يؤديها خبراء الطب النفسي الشرعي في مساعدة العدالة على بلوغ أقصى درجات الفاعلية في تحديد مستويات المسؤولية الجنائية المختلفة، ذلك أن خبراء الطب النفسي هم الوحيدون المؤهلون للكشف عن وجود عاهات عقلية لدى الجناة.

ولأجل الإحاطة بمختلف جوانب الموضوع فقد ارتأيت طرح الإشكالية التالية: ما مدى حجية الخبرة الطبية في إثبات الإصابة بخلل عقلي وانعكاسات ذلك على قناعة القاضي الجنائي الوجدانية في تحديد درجة المسؤولية الجنائية؟ وتتفرع عن هاته الإشكالية العديد من الأسئلة الفرعية من قبيل: ما المقصود بالخبرة الطبية الشرعية؟ وما طبيعتها القانونية؟ ما الإجراءات الشكلية المتبعة في انتداب خبراء الطب النفسي الشرعي؟ ما القيمة الثبوتية التي تكتسيها الخبرة الطبية الشرعية في الفقه القانوني والعمل القضائي؟

وللإجابة عن مختلف التساؤلات أعلاه كان لزاما اعتماد المنهج الوصفي من خلال وصف نظام الخبرة بشكل عام ثم نظام الخبرة الطبية الشرعية، مع تسليط الضوء على مختلف النصوص القانونية التي تؤطر الموضوع، إضافة إلى المنهج التحليلي قصد تحليل النصوص القانونية المختلفة ذات صلة بموضوع الخبرة الطبية الشرعية، فضلا عن اعتماد المنهج المقارن من خلال ذكر بعض الأنظمة القضائية المقارنة للاستئناس بها عند تحليل العمل القضائي المغربي.

ولمعالجة الموضوع من مختلف جوانبه ارتأيت اتباع التقسيم التالي:

المطلب الأول: نظام الخبرة الطبية الشرعية في التشريع الجنائي الإجرائي

المطلب الثاني: حجية الخبرة الطبية الشرعية في الإثبات الجنائي

المطلب الأول: نظام الخبرة الطبية الشرعية في التشريع الجنائي الإجرائي

تكتسي الخبرة أهمية كبرى في الإثبات الجنائي لما تناله نتائجها من ثقة مقارنة بباقي الأدلة القولية المتمثلة في الشهادة والاعتراف، ذلك أن النتائج التي تنقلها الخبرة إلى حيز الدعوى تكون مستندة إلى تحليل علمي موضوعي، وهو ما يبدو واضحا في الخبرة المبنية على الطب الشرعي النفسي التي يتم الاعتماد عليها في تحديد السلامة العقلية للمتهم وقت ارتكابه للجريمة المنسوبة إليه، وقد أسند المشرع مهمة القيام بخبرة نفسية لأحد خبراء الطب النفسي الشرعي تنويرا لمدارك القاضي التي لا تمتد إلى معرفة الأمور الفنية والعلمية وتنأى عن اختصاصه، لذلك فإن أول ما سأتناوله في هذا المطلب تحديد الطبيعة القانونية للخبرة بشكل عام ثم الخبرة الطبية الشرعية (الفقرى الأولى)، قبل أن أنتقل إلى تحديد القواعد الإجرائية الخاصة بندب خبراء الطب النفسي الشرعي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية للخبرة الطبية

يقصد بالخبرة بشكل عام ذلك الإجراء الذي تأمر به المحكمة بهدف الاستعانة برأي اختصاصي للاسترشاد به لتوضيح مسألة غامضة يحتاج فهمها إلى دراية علمية أو فنية تخرج عن إطار التكوين العام للقاضي، أما الخبرة الطبية الشرعية التي تهدف إلى الكشف عن الحالة العقلية والنفسية لمرتكبي الأفعال الجرمية فهي تلك الاستشارة التي يلتمس فيها القاضي مساعدة أهل الاختصاص لاستبيان الحالة العقلية والنفسية للجناة تمهيدا لتقدير درجة مسؤوليتهم الجنائية على ضوء الخلاصات المتعلقة بحالتهم المرضية المضمنة بالتقارير الطبية الشرعية الموجهة إلى ساحة القضاء.

وقد اختلف فقهاء القانون حول الطبيعة القانونية للخبرة، ومرد هذا الاختلاف راجع بالأساس إلى أن جل التشريعات الإجرائية بما فيها المغربي جاءت خالية من هذا التحديد مكتفية بإيراد القواعد الخاصة بها، فمثلا المشرع المغربي تحدث عن القواعد المنظمة للخبرة في الميدان الجنائي ضمن الباب الحادي عشر من القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي من قانون المسطرة الجنائية، معتبرا إياها وسلية يجوز للقاضي الاستعانة بها في مجال الإثبات، لذلك فإن أول ما سأحاول التطرق إليه هو تحديد طبيعة هذا الإجراء لمعرفة شكل الرقابة التي يبسطها قضاة الموضوع عليه عند إصدارهم لأوامرهم القاضية بإجراء خبرة، إذ نجد تباينا بين الآراء التي تناولت تحديد طبيعة هذه الأخيرة، حيث هناك من اعتبرها وسيلة إثبات، وهناك من اعتبرها وسيلة لتقدير دليل إثبات، واعتبرها البعض إجراء مساعدا للقاضي، بينما عدها البعض شهادة فنية.

أولا: الخبرة وسيلة إثبات

يتجه الرأي الغالب لدى فقهاء القانون إلى اعتبار الخبرة وسيلة إثبات تهدف إلى التعرف على وقائع مجهولة من خلال الواقع المعلوم، بحيث يتم اللجوء إليها إذا اقتضى الأمر كشف دليل أو تعزيز أدلة قائمة في الدعوى، فهي وسيلة خاصة تنقل إلى حيز الدعوى دليلا يتعلق بإثبات الجريمة أو إسنادها المادي أو المعنوي إلى مرتكبها، حيث يتطلب هذا الإثبات معرفة من نوع خاص لا تتوافر لدى أعضاء السلطة القضائية المختصة نظرا لطبيعة تخصصهم وتكوينهم.

في نفس الاتجاه يصب رأي الأستاذ لحبيب بيهي الذي اعتبر الخبرة وسيلة إثبات علمية تتمثل في أخذ رأي المختصين من أهل الفن والصنعة في الجوانب العلمية والتقنية الراجعة إلى اختصاصهم، ويعتبر التقرير المنجز من قبل الخبير المنتدب في الدعوى وسيلة إثبات يمكن الاعتماد عليها في الحكم.

كما اعتبر القضاء المصري هو الآخر الخبرة وسيلة إثبات في الدعوى الجنائية، و أن دليل الإثبات هو رأي الخبير الفني الذي يورده في تقريره أو يدلي به أمام السلطة المختصة، وقد صدر عن محكمة النقض المصرية قرار نورد مضمونه كالآتي: “لا يجوز قانونا الاعتماد على تقرير الخبير كدليل للإثبات أو النفي إلا بعد أن يتمكن الأخصام من مناقشته و الإدلاء للمحكمة بملاحظاتهم عليه“.

أما العمل القضائي المغربي فقد تطرق هو الآخر لمسألة الطبيعة القانونية للخبرة في العديد من أحكامه معتبرا إياها وسيلة من وسائل الإثبات، حيث جاء في إحدى القرارات الصادرة عن محكمة النقض ما يلي: “الخبرة ليست هي المقصودة بالذات و أنها لا تقضي و لا تبرم، و إنما هي وسيلة من وسائل الإثبات تلجأ إليها المحكمة عند الضرورة لتستعين بها و على ضوئها في إصدار قرارها النهائي الذي وحده يقول كلمة الفصل“.

فالملاحظ من خلال الآراء الفقهية أعلاه أن هناك شبه إجماع على اعتبار الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات في المادة الجنائية، وهو ما نستشفه من معظم الكتابات التي تناولت الإثبات الجنائي عن طريق الخبرة، وهذا الطرح قد تمت تزكيته من قبل العمل القضائي المغربي الذي استقر هو الآخر على تكرار عبارة “الخبرة وسيلة إثبات” في العديد من قراراته المتواترة.

ثانيا: الخبرة وسيلة لتقدير دليل إثبات

يرى أصحاب هذا الرأي أن الخبرة هي إجراء يتعلق بموضوع يتطلب قدرا هاما من المعرفة والدراية حول المجال الذي يهم الخبير بإبداء رأيه الفني فيه، لذلك فالخبرة تفترض وجود واقعة مادية أو شيء يصدر الخبير رأيه بناء على ما اطلع عليه من وقائع انتدب لأجلها، من ثم فالخبرة تقوم على رأي الخبير أكثر ما تقوم على جمع الأدلة من قبل الهيئات القضائية المختصة، كما أن مصدر الخبرة هو الرأي الفني للخبير، وهو في حقيقته ليس دليلا مستقلا عن سائر الأدلة؛ بل هو تفسير أو دعم فني لها، وتزداد أهميتها في الإثبات إذا ما خلت القضية من أدلة مادية واقتصرت على مجرد أدلة قولية من الخصوم أو الشهود، فقد يؤدي الخبير النفسي أو الاجتماعي دورا فنيا في تفسير وتقدير كثير من الأقوال وتعليلها أو تحديد مدى توافر الإدراك لدى الجاني وقت ارتكاب الجريمة، من هنا كانت أعمال الخبرة حكرا على الأخصائيين من الخبراء لتقدير دليل مستمد من العلم والمعرفة والمناهج العلمية.

فأنصار هذا الرأي يتجهون إلى القول بأن الخبرة تستخدم حديثا في تقدير سلامة بعض الأدلة مثل الاعتراف و الشهادة، و من الأمثلة على ذلك في مجال المسؤولية الجنائية لذوي العاهات العقلية أن يعترف الجاني بأنه ارتكب جريمة قتل فيثبت التقرير الطبي الشرعي النفسي أن الجاني يعاني من خلل عقلي أفقده الإرادة والإدراك والسيطرة على أفعاله، أو أن يشهد الشهود بأن الجاني ارتكب جريمته وهو يتصرف بشكل طبيعي مما يفترض سلامة قواه العقلية، فيثبت تقرير الخبير النفسي الشرعي أن ارتكاب الجريمة المنسوبة للجاني تزامنت مع عارض من عوارض الأهلية الجنائية المتمثل في خلل عقلي أعدم الإرادة والإدراك لديه.

فالخبرة الطبية الشرعية في الأمثلة أعلاه تم الاعتماد عليها لتقدير بعض أدلة الإثبات القائمة أصلا في الدعوى ولم تقم الخبرة بخلقها، فهي بذلك مجرد رأي في شأن دليل إثبات، وبعبارة أخرى فإن التقرير يتضمن بيان هذا الدليل وتفصيل عناصره، ثم اقتراحا من وجهة نظر فنية بحثة لما يمكن أن يكون له من قيمة في الإثبات.

ثالثا: الخبرة إجراء مساعد للقاضي

يرى أنصار هذا الرأي أن الخبير هو من مساعدي العدالة، إذ لا يمكنه مباشرة مهامه أو التدخل في الدعوى دون حكم قضائي ينتدبه لذلك، وهذا الحكم يجب أن يصدر من جهة قضائية مختصة والتي غالبا ما تكون محكمة الموضوع المختصة بالفصل في جوهر النزاع، بحيث يتضمن وجوبا بيانات معينة نص عليها القانون أهمها مأمورية يحدد فيها القاضي الإيضاحات الفنية والعلمية التي يطلبها من الخبير قصد مساعدته في حل النزاع المعروض عليه، فمهمة الخبير إذا ذات طابع قضائي؛ فهو مساعد للقاضي يقدم له معونته في النواحي الفنية التي لا يشملها اختصاصه، كما أنه يؤدي مهامه تحت إشرافه، وخلاصة عمل الخبير التي تضمن في تقريره تخضع في النهاية لتقدير القاضي.

و قد انتهت الأستاذة آمال عبد الرحيم عثمان في دراستها لموضوع الخبرة إلى أن الرأي الأقرب إلى الصواب هو اعتبار الخبرة إجراء مساعدا للقاضي، إذ ردت على من يقول بأنها وسيلة لتقدير دليل إثبات معتبرة بأنه مما يتنافى مع قواعد المنطق السليم لأنه لا يمكن لوسيلة إثبات تقدير وسيلة إثبات أخرى، فإما أن يتعلق الأمر بوسيلة إثبات وإما أن يتجاوز الغرض منها هذا الحد فنكون أمام وصف آخر هو اعتبار الخبرة إجراء مساعدا للقاضي، حيث يختص أصلا بتقدير تلك الوسائل والعناصر المختلفة.

من الذين سلكوا نفس منحى الأستاذة أعلاه في الفقه المغربي نجد الأستاذ عبد الكافي ورياشي الذي اعتبر هو الآخر الخبرة إجراء مساعدا للقاضي يستعين به على فهم واستيضاح بعض الوقائع الفنية الموجودة أصلا في الدعوى والتي قد تعترضه أثناء البت فيها وتدفعه إلى تكليف ذوي الاختصاص ممن يتوفرون على دراية علمية وتقنية لمساعدته على فهم تلك الوقائع، كما يبقى الخبير أثناء إنجازه لمهمته تحت إشراف الجهة التي قامت بانتدابه وهي التي تملك سلطة الرقابة على عمله بل واستبداله وتغييره إذا لزم الأمر.

رابعا: الخبرة شهادة فنية

يتجه أنصار هذا الرأي إلى القول بأن الخبرة شهادة فنية معتبرين إياها نوعا من الشهادة، حيث أن الخبير في الطب الشرعي بشكل عام يشهد بثبوت واقعة علمية من جراء استخلاصه دليلها المادي من واقع الوسائل العلمية والمعملية بالتحليل والبرهان ولكنها لا تكون قطعية، وهذا الرأي يجد له صدى في القانونين الإنجليزي والتركي.

والقول بأن الخبرة ليست سوى شهادة فنية وأن الخبير هو شاهد فني هي قاعدة لاتزال تجد لها صدى في التشريع الإنجليزي إلى الآن، غير أن هذا الرأي لاقى معارضة شديدة من بعض الأوساط الفقهية التي تناقلته؛ كالفقه المصري الذي يرى بأنه لا قياس مع وجود الفارق، فلكل من الخبرة و الشهادة طبيعته الخاصة التي تتميز بها عن الأخرى، فالشهادة تفيد ذلك الكشف الحسي المباشر لإثبات حالة شيء أو شخص يقرره الشاهد انطلاقا من وقائع رآها أو سمعها دون زيادة ولا نقصان، بينما الخبرة تعتمد على إبداء رأي الخبير فيما يعرض عليه من ظروف لا يعرفها بشكل شخصي، فضلا عن أن الشهود محددون ولا يمكن الاستعاضة عنهم بغيرهم، أما الخبراء فعددهم غير محدود وللقاضي أن ينتدب من يشاء منهم كما يمكنه استبدالهم بغيرهم.

إن الاتجاه القائل بأن الخبرة هي شهادة فنية حسب وجهة نظر الأستاذ عبد الكافي ورياشي لم يوجد له أثر في الفقه المغربي، و مرد ذلك قد يكون إلى عدم سداد هذا الرأي في نظرهم، كما أن المشرع المغربي رغم إحالته على مقتضيات الاستماع إلى الشهود للتقيد بها أثناء الاستماع إلى الخبراء في المادة 209 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها: “يجوز في الجلسة الاستماع إلى الخبراء بصفة شهود طبق الشروط المنصوص عليها في المواد 335-345-346“، فإن قصده لم يكن اعتبار الخبرة نوعا من الشهادة بقدر ما أن إحالته تلك تعني اعتبار الخبرة عنصرا من عناصر الإثبات مثلها مثل الشهادة.

وبعد استعراضنا لجل الآراء الفقهية التي سيقت لتحديد ماهية الخبرة وطبيعتها القانونية يمكن الجزم بأن هذا الأمر ليس بالهين خاصة إذا وقفنا على كل خاصية من خصائص الآراء أعلاه، فقد تظهر الخبرة في بعض الأحيان كوسيلة إثبات في الدعوى عندما تؤدي إلى خلق دليل قد يعتمده القاضي في تكوين اقتناعه الصميم والحكم وفق ما ثبت لديه من العناصر المضمنة في التقرير المنجز من لدن الخبير المنتدب، كما قد تستعمل أحيانا لتقدير سلامة دليل إثبات قائم في الدعوى كالاعتراف أو الشهادة، وقد تظهر أحيانا بمظهر الإجراء المساعد للقاضي الذي يعينه على استيضاح عناصر ذات طبيعة فنية، كما قد تتخذ شكل شهادة فنية يدلي بها الخبير أمام القاضي في مجلس القضاء لتبصيره بوقائع يجهلها ويعرفها الخبير بفضل تكوينه العلمي، والرأي الذي آثرت الانضمام إليه هو الرأي الراجح في الاجتهاد القضائي المغربي الذي استقر على اعتبار الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات في المادة الجنائية، كما أنها الوسيلة الوحيدة التي تمكننا من استبيان الحالة العقلية للمتهم وقت ارتكابه للجريمة المنسوبة إليه، مما يضع بين يدي القاضي دليلا يساعده في تحديد درجة مسؤولية الجاني.

الفقرة الثانية: إجراءات انتداب خبراء الطب الشرعي

بالرغم من أن الخبرة الطبية الشرعية تندرج تحت الإطار العام للخبرة الجنائية؛ أي خضوعها للقواعد التي تحكم الخبرة بصفة عامة، إلا أنها تكتسي أهمية بالغة باعتبارها من أهم وسائل تحقيق العدالة الجنائية متى ثار الشك حول سلامة القوى العقلية للمتهم وقت ارتكابه للأفعال المجرمة، لذلك تتجه معظم التشريعات إلى تخويل القضاء -قضاة التحقيق أو قضاة الحكم- سلطة الاستعانة بالخبرة الطبية الشرعية لإجراء فحص طبي نفساني على المتهم بغية التأكد من وجود الخلل العقلي من عدمه وقت ارتكابه للجريمة، وهو ما أقره المشرع المغربي حينما نص في المادة 194 من ق.م.ج على أنه: “يمكن لكل هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم كلما عرضت مسألة تقنية أن تأمر بإجراء خبرة إما تلقائيا وإما بطلب من النيابة العامة أو من الأطراف“.

كما نصت المادة 12 من القانون 77.17 المتعلق بتنظيم ممارسة مهام الطب الشرعي على أنه: “يتم انتداب الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي من طرف النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو هيئة الحكم كل في حدود اختصاصه المحدد بمقتضى القانون“، غير أن النيابة العامة وإن كانت مدعوة في حالات معينة إلى اللجوء إلى أهل الخبرة لاستبيان بعض الزوايا التقنية في القضايا التي تباشرها؛ كما هو الشأن بالتماس تشريح الجثت لمعرفة أسباب الوفاة في جرائم القتل مثلا، إلا أنها حسب بعض الفقه غير معنية بإجراء خبرات طبية على المشتبه بارتكابهم لأفعال جنائية، ومرد ذلك يعود بالأساس إلى طول المدد التي يتطلبها القيام بهذا النوع من الخبرات في مقابل الفترة الزمنية القصيرة التي يجب خلالها على النيابة العامة إحالة القضايا بمرتكبيها على هيئة التحقيق أو الحكم، من هنا يتضح أن الهيئات القضائية الموكول لها إصدار أوامر بإجراء خبرات طبية شرعية على المتهم هم السادة قضاة التحقيق (أولا) وهيئات الحكم (ثانيا).

أولا: هيئات التحقيق

أعطت المادة 194 من ق.م.ج لقضاة التحقيق سواء لدى محاكم الدرجة الأولى أو الثانية الحق في إصدار أوامر بإجراء خبرات طبية على الجناة لمساعدتهم على إبراز نوع الخلل العقلي الذي لوحظ عليهم ومدى تأثيره على إدراكهم وإرادتهم، وهذا القرار بإنجاز الخبرة الصادر من قبل قاضي التحقيق يجب أن يبلغ إلى النيابة العامة والأطراف وهو غير قابل للطعن بالاستئناف طبقا للمادة 195 من ق.م.ج التي جاء فيها: “إذا صدر القرار بإجراء الخبرة من قاضي التحقيق، يجب تبليغه إلى النيابة العامة والأطراف، ويشار في التبليغ إلى اسم الخبير وصفته، ويضمن فيه نص المهمة التي كلف بها. لا يقبل القرار الصادر بإجراء الخبرة الطعن بالاستئناف“.

وهذا الإجراء يستهدف منه قاضي التحقيق توضيح بعض الوقائع التي يرى أن التثبت منها يساعده على الوصول إلى الحقيقة، بمعنى أن الأمر مرتبط بتقديره الشخصي وباعتقاده المستخلص من مجموع عناصر التحقيق وإجراءاته التي قام بها سواء بالنسبة لمدى ثبوت الواقعة ذاتها أو بالنسبة لعلاقتها بالكشف عن الحقيقة، لذلك كانت قرارات قاضي التحقيق بانتداب الخبراء غير قابلة للطعن بالاستئناف لأنه تدبير يخدم حسن سير العدالة من خلال المساعدة على إظهار الحقيقة، وبالتالي فإنه لا يلحق أي ضرر بالأطراف، كما أن الإجراءات الغير مخالفة للقانون والتي يرى قاضي التحقيق بأنها تساعده على الوصول إلى الحقيقة لا ينبغي أن تراقب من قبل محكمة النقض وإلا كان في ذلك عرقلة لحرية عمله في البحث واستجلاء الحقيقة.

وعلى النقيض من ذلك فإن عدم استجابة قاضي التحقيق لطلب إجراء الخبرة يفرض عليه تبيان أسباب هذا الرفض حتى يتمكن الأطراف هذه المرة من الطعن بالاستئناف طبقا للكيفيات والآجال المنصوص عليها في المادتين 222 و223 المتعلقتان باستئناف أوامر قاضي التحقيق بصفة عامة، ومن الواضح أن موقف المشرع هنا يتأسس على الحيثيات الغائبة في الحالة السابقة، فلا شك أن رفض الخبرة يحتمل تعقيد مهمة النيابة العامة إن كانت هي التي طلبتها، أو الإضرار بحقوق وحريات المترافعين إن كانوا هم الذين التمسوها.

وبالرجوع إلى منطوق المادة 88 من ق.م.ج نجد أنها خولت لقاضي التحقيق نفس الصلاحية التي خولتها إياه المادة 194 أعلاه، حيث جاء فيها: “يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر في أي وقت باتخاذ جميع التدابير المفيدة وأن يقرر إجراء فحص طبي أو يكلف طبيبا بالقيام بفحص طبي نفساني“، وبالرغم من أن المشرع لم يعبر عن هذا الإجراء بلفظ الخبرة؛ إلا أن الرأي الذي استقر عليه الواقع العملي يقضي باعتبار هذا القرار القاضي بإجراء فحص طبي نفساني، والذي قد يشمل المتهم كما قد يشمل الضحية لا يمكن تصنيفه إلا في خانة الخبرة، باعتبار تماثل النتائج التي قد تترتب على الحالتين معا سواء فيما يتعلق بالخبرة التي يتم إنجازها في إطار المادة 194 من ق.م.ج أو الفحص الطبي النفساني الذي يتقرر في إطار المادة 88 من نفس القانون.

غير أن الصيغة التي قد تثير بعض الجدل هي تلك الواردة في الفقرة الأولى من الفصل 136 من مجموعة القانون الجنائي والتي جاء فيها: “إذا رأى قاضي التحقيق أن المتهم تظهر عليه علامات واضحة للخلل العقلي، فإنه يجوز له بمقتضى أمر معلل أن يأمر بوضعه مؤقتا في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية من أجل ملاحظته وعلاجه إذا اقتضى الأمر، وذلك ضمن الشروط المقررة في الظهير رقم 1.58.295 الصادر في 21 شوال 1378 (30 أبريل 1959) الخاص بالوقاية والعلاج من الأمراض العقلية وحماية المصابين بها“، فهذه الصيغة قد توحي بأن مجرد الاقتناع الذي قد يتخلد لدى قاضي التحقيق من ظهور علامات واضحة للخلل العقلي على المتهم قد تكون مدعاة لإيداعه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، وذلك في غياب النص الصريح على ضرورة إجراء خبرة طبية شرعية للوقوف على حقيقة ذلك من جهة، ولورود كلمة “مؤقتا” التي قد تفيد بأن هذا الإجراء هو تدبير وقتي غايته تمكين المتهم من علاجات استعجالية تمهيدا لمواصلة إجراءات التحقيق في حقه من جهة أخرى.

غير أنه بالرغم من كون مسألة تقدير وجود الخلل العقلي من عدمه تدخل ضمن المسائل الفنية التي تنأى عن اختصاص السادة القضاة، إلا أن الذي استقر عليه الواقع العملي بخصوص الفصل 136 من ق.ج الذي يجيز لقاضي التحقيق أن يأمر بوضع المتهم مؤقتا في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية إذا رأى أنه تظهر عليه علامات واضحة للخلل العقلي، اعتبار هذا الوضع لا يخرج عن الهدف المنشود من إجراء الخبرة ألا وهو تحديد مدى إصابة المتهم في قواه العقلية وتحديد درجة مسؤوليته الجنائية أثناء ارتكابه للفعل الجرمي.

وفي هذا الصدد صدر أمر عن قاضي التحقيق تضمن ما يلي: “…أمر بإيداع المتهم (ع.ر) مؤقتا بمستشفى الرازي للأمراض العقلية بسلا ووفقا للفصلين 194 من ق.م.ج و136 من ق.ج وللظهير رقم 295-58 المؤرخ في 30/4/1959 الخاص بالوقاية والعلاج من الأمراض العقلية وحماية المصابين بها قصد ملاحظته وعلاجه عند الاقتضاء مع تحرير تقرير مفصل حول حالته العقلية، وبيان ما إذا كان فعلا يعاني من مرض عقلي ومدى تأثيره على مسؤوليته الجنائية بخصوص الواقعة التي أتاها يوم 24/1/2005 وما إذا كان قادرا على الدفاع عن نفسه… “.

وتبعا لما أسفرت عليه نتائج الخبرة المأمور بها من قبل قاضي التحقيق ينبغي أن يصدر أمره إما بعدم المتابعة إذا ثبت له انعدام مسؤولية المتهم، وإما قرارا بالإحالة على غرفة الجنايات تمهيدا لمحاكمته إذا ثبت له اكتمال أو نقصان في مسؤوليته الجنائية، وإذا لزم ذلك يمكنه أن يصدر أمرا بإيداع المتهم في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية تمهيدا لمواصلة محاكمته انسجاما مع مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 136 من ق.ج.

ويرى الأستاذ عبد الكافي ورياشي أنه من الناحية العملية لا توجد هناك نماذج عملية من العمل القضائي أصدر فيها قضاة التحقيق قرارا بعدم المتابعة بعد ثبوت انعدام المسؤولية الجنائية للمتهم، إذ غالبا ما يبادرون في هذه الحالة إلى إصدار أمر بالإحالة على غرفة الجنايات التي تتولى التصريح بالإعفاء مقرونا بالإيداع، وهو أمر يجافي كل معاني المنطق القانوني السليم والعدالة، إذ كيف لمتهم ثبت انعدام مسؤوليته بمقتضى خبرة طبية شرعية أن يظل قابعا في السجن طوال فترة التحقيق معه وخلال أطوار محاكمته، والحال أن مكانه الطبيعي في هذه الحالة هو المستشفى الذي يجب أن يودع فيه وليس السجن، الأمر الذي يفرض تدخل المشرع المغربي لإصلاح المادة 216 من ق.م.ج التي تحدد حالات الأمر بعدم المتابعة؛ وذلك بجعلها تتسع لاحتواء هاته الشائكة، ويعرج كذلك على الفصل 75 من ق.ج الذي يتضمن تعريف الإيداع القضائي بجعله يتم بقرار من قاضي التحقيق شأنه في ذلك شأن الإيداع الذي يتم بقرار لمحكمة الموضوع.

ثانيا: هيئات الحكم

بالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 194 من ق.م.ج وكذا المادة 12 من القانون 77.17 المتعلق بتنظيم ممارسة مهام الطب الشرعي نجدها تعطي لهيئات الحكم حق إصدار أوامر بإجراء خبرات قضائية بما فيها الخبرات الطبية الشرعية كلما عرضت على أنظار المحكمة مسألة تقنية تتطلب معارف فنية لا تمتد إليها مدارك القاضي بحكم تكوينه القانوني، والمقصود بهيئات الحكم الواردة في المادتين أعلاه كل محكمة موضوع تنشر أمامها الدعوى العمومية من أجل الفصل فيها بأحكام أو قرارات قضائية، سواء تعلق الأمر بمحاكم الدرجة الأولى أو محاكم الدرجة الثانية.

ومن ضمن المسائل الفنية التي تعرض على هيئات الحكم مسألة فحص السلامة العقلية لمرتكبي الأفعال الإجرامية الذين ظهرت عليهم أثناء المحاكمة علامات وجود خلل أو ضعف عقلي أثر على إدراكهم وإرادتهم بصفة كلية أو جزئية، الأمر الذي قد يؤثر على مسؤوليتهم الجنائية ويجعلها تتأرجح بين الوجود والعدم والنقصان.

ويختلف الإطار القانوني الذي تنتدب فيه هيئات الحكم الخبراء بحسب اختلاف ظروف كل قضية عن الأخرى، فإذا تعلق الأمر بالتأكد من وجود خلل عقلي ثبت فيما بعد بموجب خبرة طبية شرعية أنه أعدم لدى الجاني إدراكه أو إرادته بتزامن مع إتيانه للأفعال الجرمية المنسوبة إليه؛ يكون انتداب الخبير قد تم في إطار الفصلين 76 و134 من ق.ج اللذين يتحدثان عن انعدام المسؤولية الجنائية، وإذا كان انتدابه قد تم للتثبت من وجود ضعف عقلي ثبت أنه أنقص إدراك أو إرادة الجاني فأضعفهما دون أن يبلغ درجة إعدامهما بتزامن مع ارتكابه للأفعال الجرمية؛ فإن هذا الانتداب يتم في إطار الفصلين 135 و78 من ق.ج اللذين يتعلقان بالمسؤولية الجنائية الناقصة.

المزيد من الإختبارات  ثبوت النسب بين النظرية والتطبيق

إلا أنه أمام الصعوبة التي تعترض محكمة الموضوع بخصوص تحديد المرض العقلي الذي يعاني منه المتهم ومدى تأثيره على سلامة إدراكه وإرادته، فإن العمل القضائي يحاول دائما إصدار أوامر قضائية بشأن إجراء خبرات طبية شرعية تشمل الإطارين معا (أي الفصلين 76 و134 من ق.ج والفصلين 78 و135 من ق.ج)، ومن أمثلة ذلك الأمر الصادر عن الغرفة الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة بشأن إجراء خبرة طبية على المتهم، والذي جاء في حيثياته ما يلي: “وحيث إنه استنادا إلى كل ما ذكر ارتأت المحكمة التأكد من سلامة القوى العقلية لدى المتهم، فأمرت بإجراء خبرة طبية عليه وعهدت بها إلى الخبير الدكتور سليمان كراند سيرج الذي يتعين عليه:

  1. إجراء خبرة طبية على المتهم وتحديد ما إذا كان يتمتع بكامل قواه العقلية من عدمه.
  2. تحديد ما إذا كان المتهم مسؤولا عن أفعاله، وإذا لم يكن كذلك تحديد ما إذا كانت هاته المسؤولية ناقصة أو منعدمة.
  3. في حالة وجود خلل عقلي القول ما إذا كان خللا مطبقا مستمرا في الزمن (من الفترة الممتدة من قبل الواقعة إلى غاية فحص المتهم) أم أن ذلك الخلل ينتاب المتهم بين الفينة والأخرى فقط.
  4. وفي الصورة الأخيرة القول -إن أمكن- ما إذا اقترف المتهم الفعل الجرمي المنسوب إليه وهو في حالة مرض عقلي يعدم المسؤولية أم أنه كان واعيا بأفعاله.
  5. إبداء أي ملاحظة من شأنها أن تنير القضية…“.

غير أن ما يلاحظ على القرار أعلاه أنه أسند مهمة تحديد درجة المسؤولية الجنائية إلى الخبير، وهو أمر لا يستقيم من وجهة نظري لأن تحديد درجة المسؤولية الجنائية هي مسألة قضائية محضة لا ينبغي التنازل عنها أو تفويتها للخبراء، لأن نطاق اختصاص الخبير يتوقف عند تحديد الحالة العقلية للمتهم وقت ارتكابه للجريمة المنسوبة إليه، مع تحديد تأثير الخلل العقلي على إدراكه أو إرادته، وعلى ضوء الخلاصات التي انتهى إليها الخبير في تقريره يتولى القاضي تحديد درجة المسؤولية الجنائية لمرتكب الفعل الجرمي، وهو التوجه الذي تحاول محكمة النقض ترسيخه من خلال عديد القرارات الصادرة في هذا الشأن، ومن ضمنها القرار عدد 756 الصادر بتاريخ 26 يونيو 2013 والذي تضمن ما يلي: “إن مهمة الخبير تنحصر في تحديد مدى القدرة العقلية ولا يمكن أن تمتد إلى تحديد المسؤولية الجنائية، والمحكمة لما اعتمدته تكون قد عللت ما انتهت إليه تعليلا ناقصا موازيا لانعدامه وعرضت حكمها للنقض والإبطال“.

وجاء في قرار آخر: “تنحصر مهمة الخبير في تحديد مدى القدرة العقلية للفاعل ولا يمكن أن تمتد إلى تحديد المسؤولية الجنائية، والمحكمة لما أعفت المتهم من العقاب بالنسبة لجنحتي إهانة موظفين عموميين أثناء قيامهم بمهامهم وإهانة المقدسات استنادا على تقرير خبرة طبية أفاد بأنه غير مسؤول بسبب مرض نفسي يعاني منه، تكون قد عللت ما انتهت إليه تعليلا ناقصا موازيا لانعدامه“.

المطلب الثاني: حجية الخبرة الطبية في الإثبات الجنائي

لقد حث المشرع المغربي السادة القضاة على طلب مشورة أهل الاختصاص من الخبراء في الطب الشرعي النفسي كلما عرضت عليهم قضية تتطلب التثبت من سلامة القوى العقلية للمتهم، لأن تحديد الحالة العقلية والنفسية للمتهم وقت ارتكابه للجريمة المنسوبة إليه هو المحدد لدرجة مسؤوليته الجنائية، والخبير الشرعي النفسي ملزم عند انتدابه لفحص المتهم وانتهاءه من أعماله أن يحرر تقريرا يضم مختلف الأعمال التي قام بها والاستنتاجات التي وصل إليها فيما يخص حالة المتهم وقت ارتكاب الجريمة، وقد اختلفت آراء الفقه حول الحجية التي تكتسيها هاته التقارير في الإثبات الجنائي، لذلك ارتأيت أن أشير في هذا المطلب إلى مختلف الآراء الفقهية التي تناولت مسألة القيمة الثبوتية للتقاريرالشرعية النفسية أمام محاكم الموضوع (الفقرة الأولى)، ثم سأنتقل إلى إبراز ما استقر عليه العمل القضائي في مجال الإثبات الجنائي عن طريق الخبرة الطبية الشرعية، من خلال عرض العديد من القرارات القضائية الصادرة عن بعض محاكم النقض في مختلف البلدان حتى يتسنى لي إبراز الاجتهاد الذي تتجه المحاكم إلى تكريسه في مجال القيمة الثبوتية للتقارير الشرعية النفسية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: القيمة الإثباتية للخبرة الطبية الشرعية في الفقه القانوني

اختلف فقهاء القانون حول القيمة الثبوتية للتقارير الطبية الشرعية وحجيتها في الإثبات أمام القضاء الجنائي، حيث برزت إلى الساحة ثلاثة اتجاهات رئيسة: الأول يدعو إلى جعل استنتاجات الخبير المضمنة في تقرير الخبرة بمثابة قيد على القاضي لكونها تتعلق بمسألة فنية لا تمتد إليها مداركه، أما الثاني فيؤكد أن المحكمة تبقى هي الخبير الأعلى في الدعوى ولها كامل السلطة التقديرية في إعمال رأي الخبير عند بناء اقتناعها الصميم أو استبعاده والانصراف إلى غيره من وسائل الإثبات القائمة في الدعوى، وفي ظل هذا التباين في الآراء برز اتجاه ثالث حاول التوفيق بين الرأيين من خلال القول بوجوب التقيد بنتائج الخبرة الجنائية من جهة، وبين وجوب إخضاع هاته الأخيرة للرقابة القضائية من خلال منح القاضي سلطة تقديرية في انتداب أكثر من خبير لتكوين قناعته الوجدانية إبان الفصل في الدعوى المعروضة عليه من جهة أخرى.

أولا: إلزامية نتائج الخبرة

قوام هذا الرأي أن تقرير الخبير ملزم للقاضي ويشكل قيدا عليه عند إصدار حكمه، إذ ليس من حقه تجاهل مضامينه واستبعاده إلى غيره من عناصر الدعوى التي تخالف ما انتهى إليه من نتائج وتعاكس ما أفضى إليه من خلاصات، بل عليه الاستناد إليه كعنصر أساسي في تكوين قناعته وتوجيه باقي عناصر الدعوى نحو ما قد يتفق والنتائج التي انتهى إليها تقرير الخبير والتحول عن باقي العناصر التي تخالف ما خلص إليه، وذلك قصد إصدار حكمه وفق ما هو مضمن بتقرير الخبرة حول المسائل الفنية التي انتدب الخبير لأجلها.

ويرجع أساس هذا الرأي إلى أفكار المدرسة الوضعية التي يتزعمها “أنريكو فيري” الذي اعتبر الخبير قاضي وقائع وطالب بإلزامية نتائج الخبرة للقاضي معتبرا أن الخبير أكفأ منه في الموضوع الفني الذي انتدب لأجله، الأمر الذي دفع الوضعيين إلى المطالبة بإبدال المحلفين الشعبيين بالمحلفين العلماء، كما انتقد الفقيه “جارو” مبدأ “القاضي خبير الخبراء” على إطلاقه معتبرا أنه وإن كان ثابتا من الناحية القانونية فهو ليس كذلك من الناحية الواقعية والعملية، لأن رأي الخبير هو الذي يهيمن على وجدان القاضي ويوجهه إلى تكوين عقيدته وفقا لمضمونه، على اعتبار أن الخبير من الناحية العلمية هو سيد تخصصه وله من الدراية والتجربة ما لا يملكه القاضي.

ويعتبر الأستاذ عبد المعبود رجاء محمد أن الدليل الفني يصدر من أهل الخبرة لتعلقه بمسائل فنية لا تستطيع المحكمة أن تقف عليها بحكم عدم تخصصها، وهذا الدليل من أهم الأدلة في الدعوى لأنه يصدر عن أشخاص محايدين من أرباب العلم، فلا يجوز للقاضي أن يضع نفسه محل الخبير في مسائل فنية لا يستطيع الوصول فيها إلى الحق والصواب، لذلك ينبغي أن يتقيد بنتائج الخبرة المضمنة في تقرير الخبير.

إن المتأمل لمختلف الآراء التي تصب في اتجاه القول بإلزامية نتائج الخبرة يجد أنها تضفي على هاته التقارير الطبية الشرعية حالة من القدسية التي تجعلها بمنأى عن أي مراقبة قضائية مما ينزع عن القاضي صفته خبيرا أعلى في الدعوى الجنائية، الأمر الذي يتعارض مع منطق العدالة المتوخاة من إحداث الجهاز القضائي من الأساس، ففي مجال الأمراض العقلية والنفسية قد تتعارض الخبرات المنجزة من قبل الخبراء النفسانيين، فلو سلمنا بوجاهة الرأي القائل بإلزامية نتائج الخبرة لما استطاع القضاة اللجوء إلى خبرة ثانية وثالثة، الأمر الذي سيغل يد القاضي ويجعله مقيدا برأي الخبير الذي انتدبه دون أن يملك صلاحية اللجوء إلى خبرات أخرى، كما أن تحديد الإصابة باضطراب عقلي أو نفسي ما يصعب اكتشافه حتى من قبل كبار علماء العالم في مجال الطب النفسي لذلك فإن الاحتكام إلى خبرة واحدة والتقيد بنتائجها بشكل مطلق قد يكون له انعكاس سلبي على مبادئ المحاكمة العادلة.

ثانيا: عدم إلزامية نتائج الخبرة

يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بأن خلاصة الخبير المضمنة بالتقرير الموجه إلى ساحة القضاء غير ملزمة للقاضي ولا تمثل عليه أي قيد في تكوين قناعته، فله أن يأخذ بها كلها أو بجزء منها أو يطرحها كليا أو جزئيا شريطة أن يعلل قرراه القاضي باستبعاد نتائجها في حكمه، ومن القائلين بهذا الرأي نجد الأستاذ مامون محمد سلامة الذي اعتبر المحكمة خبيرا أعلى، وبالتالي فتقارير الخبراء تخضع دائما لتقديرها فلها أن تأخذ برأي الخبير أو تطرحه كلية، كما أن لها سلطة الجزم في المسائل التي تتسق ووقائع الدعوى حتى لو كان تقرير الخبير لم يجزم فيها برأي، وإذا اختلف خبيران في الرأي فليست المحكمة ملزمة بمواجهتهما وإنما تملك ترجيح أحدهما على الآخر وفقا لاقتناعها وما تراه مؤيدا بوقائع الدعوى، وهي في ذلك غير ملزمة ببيان أسباب الترجيح كما أنها غير ملزمة بمناقشة التقارير الأخرى.

وفي نفس هذا الاتجاه يصب رأي الأستاذ هلالي عبد الله أحمد الذي اعتبر أن رأي الخبير لا يعدو أن يكون عنصرا من عناصر الإثبات يخضع لتقدير القاضي، فله أن يأخذ به أو لا يأخذ، حسب اقتناعه بصواب الأسباب التي بني عليها أو الاعتراضات التي وجهت إليه لأن ذلك يدخل في حدود سلطته التقديرية، وأساس ذلك هو مبدأ حرية الاقتناع الصميم الذي نص عليه القانون والذي بوأه صفة الخبير الأعلى في الدعوى.

كما أن معظم الفقهاء المغاربة آثروا الانضمام إلى هذا الرأي وفي مقدمتهم الفقيه أحمد الخمليشي الذي قال بأن الخبرة في أساسها مجرد استنتاج لحقائق ونتائج معينة من الوقائع المعروضة على المحكمة وهي بطبيعتها هاته لا يزيد دورها على الإرشاد والمساعدة على إجلاء الغموض عن بعض الوقائع في الملف، لذلك فإن القاضي تبقى له كامل الصلاحية في تقدير مدى سلامة الاستنتاج الذي انتهت إليه الخبرة، فله أن يأخذ بها وله أن يستبعدها شريطة أن يعلل قراره.

وهو نفس رأي الأستاذ محمد عياط الذي اعتبر هو الآخر أن نتائج الخبرة كمبدأ عام لا تلزم القاضي بقبول فحواها وبالتالي لا تحتم عليه إصدار حكم موافق لما صرحت به، والواقع أن خلاصات الخبرة لا هي دائما في المستوى المطلوب من الموضوعية ولا هي دوما عين الحقيقة حتى يفرض المشرع الالتزام بها على القاضي، فمن المعروف أن الخبراء في نفس الميدان وعلى نفس الكفاءة والتمكن من اختصاصهم كثيرا ما يصدرون آراء متناقضة حول موضوع واحد، وللقاضي أن يقتنع بما أثبتته الخبرة أو لا يقتنع به وله أن يستعمله جزئيا أو كليا أو يهمله تماما شريطة تعليله لحكمه.

إن الملاحظ من خلال جل هاته الآراء التي تنتصر لاستبعاد نتائج الخبرة أنها مجانبة للصواب لأنها تبخس كثيرا من قيمة الخبرة، فلولا حاجة القاضي إلى استيضاح المسائل الفنية التي اعترضته بصدد فصله في الدعوى المعروضة أمامه لما انتدب خبيرا في الطب الشرعي النفسي ليبين له المسائل التي استشكلت عليه، ويبدو ضربا من العبث أن ينتدب القاضي خبيرا ثم يستبعد النتائج التي توصل إليها ما دامت آراؤهم غير ملزمة على الإطلاق، فلو أقر تقرير الخبير عدم سلامة إدراك وإرادة المتهم وقت ارتكابه الجريمة وتم استبعاد نتيجته وإقرار المسؤولية الجنائية الكاملة فإننا بذلك نكون قد انتصرنا لتوزيع العقوبات الجنائية دون وجه حق، مما يبعدنا عن تحقيق العدالة المتوخاة من قبل جل الأنظمة العقابية الحديثة التي كرست مبدأ الاستعانة بالخبراء القضائيين لتقديم آرائهم الفنية التي تعين القضاة على استيضاح ما استشكل عليهم في الدعوى الجنائية.

ثالثا: الاتجاه التوفيقي

في ظل التعارض الحاصل بين أنصار الاتجاهين سالفي الذكر برز اتجاه توفيقي ثالث حاول تقريب وجهات النظر من خلال تأكيده على ضرورة اعتبار تقرير الخبير بمثابة قيد على قناعة القاضي الوجدانية ما لم تخالف نتائجه الظروف والملابسات المحيطة بالموضوع الذي شكل مادة الخبرة، ذلك أن الرأي الفني الذي ينتدب الخبير لأجله ينأى عن اختصاص القاضي وليس له أن يدحضه من خلال علمه المجرد، غير أن هذا لا يمنعه من إخضاعه لنوع من الرقابة القضائية التي يعبر عنها في كتب الفقه ب”الرقابة القانونية للرأي الفني“؛ فله أن ينتدب خبيرا آخر إذا لم يطمأن لما ورد بتقرير الخبير الأول إعمالا لمبدأ “الفن يدحض بالفن“.

ومن الذين سلكوا هذا المنحى الأستاذ ضاري خليل محمود الذي دعا إلى اعتماد مبدأ “الفن لا ينقض إلا بمثله“، معتبرا أن القاضي لا يستطيع مخالفة رأي الخبير والحكم بخلافه طالما كان قد قرر بنفسه حاجته إلى مساعدته من أجل الفصل في الدعوى في أمر تفتقر فيه خبرته القانونية، غير أن ذلك لا يحول دون أن يملك القاضي سلطة انتداب خبير آخر في حال عدم اطمئنانه للخبير الأول مع التزامه بنتائج الخبرة.

وفي نفس الاتجاه يصب رأي الأستاذ شعبان محمود الهواري الذي يرى أن تقرير الخبير لا يعدو أن يكون دليلا من أدلة الدعوى يخضع لتقدير المحكمة باعتبارها الخبير الأعلى في كل ما تستطيع هي أن تفصل فيه بنفسها ما دامت المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيها، وذلك استنادا إلى مبدأ حرية الاقتناع الذي نص عليه قانون الإجراءات الجنائية، فتقرير الخبير هو من جملة الأدلة المعروضة على المحكمة وهو يخضع للمناقشة والتمحيص، وعندما ترفض المحكمة الأخذ بنتائج الخبرة المتعلقة بمسألة فنية لا تستطيع تقديرها بنفسها، فعليها أن تستند في هذا الرفض إلى خبرة فنية تنفي ما جاء في الخبرة الأولى.

ومن الفقهاء المغاربة القائلين بهذا الرأي نجد الأستاذ عبد الكافي ورياشي الذي يرى بأن نتائج الخبرة ينبغي أن تخضع للرقابة القضائية، مؤكدا على أهمية الخبرة والدور الهام الذي ما فتئت تضطلع به في مساعدة القضاء على استيضاح المسائل الفنية التي قد تعينه على الفصل في الدعاوى المختلفة على النحو الذي يحقق أكبر قدر من العدالة، مما يجعل من نتائجها تمثل قيدا على القاضي في تكوين قناعته ومعطى يجب مراعاته أثناء النظر في الدعوى، مع خضوعها لرقابة القاضي الذي يستحب أن يكون غضه الطرف عن تقرير الخبير مدخلا لإجراء خبرة ثانية قد تكون مضادة، باعتبار أن الشيء الفني لا يدحض إلا بشيء فني مثله، والقاضي عندما يفاضل بين تقريرين ويرجح أحدهما على الآخر فإنما يوازن بينهما من الناحية الواقعية ولا يناقش القيمة العلمية لكل واحد منهما، وهو في ذلك يمارس رقابته القضائية على وقائع الدعوى التي تشكل الخبرة أحد عناصرها.

وأجدني أميل إلى هذا الرأي الذي يوازن بين سلطة القاضي في انتداب ما يشاء من خبراء مع إخضاع أعمالهم لرقابته، وبين آراء الخبراء الفنية المبنية على المعرفة العلمية التي لا تتوفر لدى هيئة المحكمة، فلو انتدب القاضي خبيرا في الطب الشرعي النفسي لفحص السلامة العقلية للمتهم، وضمّن الخبير تقريره بعدم سلامة هذا الأخير وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه، ثم أثناء المحاكمة بدا للقاضي أن المتهم يجيب بكل هدوء على ما يوجه إليه من تهم، فالقاضي وفقا لهذا الرأي يمكنه استبعاد رأي الخبير الأول من خلال انتداب خبير ثان إعمالا لمبدأ الرقابة القضائية على أعمال الخبراء، وله كذلك أن ينتدب خبيرا ثالثا في حال تعارض نتائج الخبرة الأولى مع الثانية قصد الترجيح بخبرة ثالثة.

الفقرة الثانية: القيمة الإثباتية للخبرة الطبية الشرعية في العمل القضائي

تختلف القيمة الثبوتية التي تكتسيها التقارير الشرعية النفسية من قضاء لآخر حسب البنية الحقوقية التي يقوم عليها الجهاز القضائي في كل بلد، بل في بعض الأحيان نجد تباينا في القرارات القضائية الصادرة عن نفس المحكمة وفي نفس الوضوع، فهناك قرارات تقضي بإلزامية نتائج الخبرة، بينما هناك قرارات تخضعها للرقابة القضائية بشكل مطلق مما يمنح القاضي سلطة استبعاد نتائجها بشرط التعليل، وهناك توجه قضائي آخر يزاوج بين الإلزامية والرقابة؛ بحيث يلزم القضاة بالاستعانة بالخبراء في المسائل الفنية مع ضرورة إخضاع أعمالهم لرقابة القاضي الذي يمكنه دحض تقاريرهم بخبرة مضادة أو مرجحة.

أولا: العمل القضائي المقارن

في العمل القضائي الفرنسي نجد أن القاضي له صفة الخبير الأعلى في الدعوى، فبالرغم من أن المحكمة تملك حق الاستعانة بخبير لكشف المسائل الفنية إلا أنها غير ملزمة بالتقيد برأيه، مما يعني أن نتائج الخبرة تخضع لرقابة القاضي الذي له أن يأخذ بنتائجها عند بناء اقتناعه الصميم، كما له أن يغض الطرف عنها إلى غيرها من عناصر الإثبات الأخرى القائمة في الدعوى، بل له أن يستعيض عن رأي الخبير في تكوين قناعته الوجدانية بناء على مجرد القرائن.

ونفس التوجه تم تكريسه من قبل العمل القضائي في إيطاليا، إذ اعتبرت محكمة النقض الإيطالية أن تقدير نتائج الخبرة يخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع شأنه في ذلك شأن سائر وسائل الإثبات، وبالتالي فالقاضي له أن يرد تقرير الخبير شريطة تسبيبه لحكمه، كما يعتبر القضاء الإيطالي أن الخبرة الطبية الشرعية التي يجريها خبير في الأمراض العقلية ليست رأيا فنيا محضا، بل هو رأي طبي شرعي الغاية منه إثبات وجود الخلل العقلي وما إذا كان هذا الخلل كليا أو جزئيا، وللقاضي سلطة تقديرية واسعة في قبول هذا الرأي أو رفضه.

أما العمل القضائي المصري فقد شهد تباينا ملحوظا في القرارات الصادرة عنه في مجال القيمة الثبوتية للخبرة الجنائية، بحيث ذهبت محكمة النقض المصرية في بعض قراراتها إلى اعتبار المحكمة الخبير الأعلى في الدعوى ولها أن تعرض عن تقرير الخبير وتعتمد ما تطمئن إليه من وسائل الإثبات المعروضة عليها في الدعوى، ومن ذلك ما جاء في منطوق إحدى طعونها: “الأمر في تقدير رأي الخبراء مما تختص به محكمة الموضوع ولها كامل الحرية في الأخذ بما تطمأن إليه من التقارير الفنية والالتفات عما لا تطمئن إليه منها“.

في حين اتجهت بعض القرارات الصادرة عنها إلى اعتبار رأي الخبير الفني بمثابة قيد ينبغي على القاضي استحضاره عند تكوين عقيدته في الدعوى الجنائية، وفي هذا الصدد جاء في نقض لها ما منطوقه: “متى تعرضت المحكمة لرأي الخبير الفني في مسألة فنية بحتة فإنه يتعين عليها أن تستند في تفنيده إلى مسألة فنية تحمله، وهي لا تستطيع في ذلك أن تحل محل الخبير فيها“، وهي بهذا تكون قد وازنت بين وجوب التقيد بالرأي الفني للخبير لعدم شمولية مدارك القاضي للمسائل الفنية، وبين سلطة القاضي باعتباره خبيرا أعلى في الدعوى من خلال تخويله سلطة انتداب ما يشاء من الخبراء لتكوين اقتناعه الصميم.

ثانيا: العمل القضائي المغربي

إن المتأمل للعمل القصائي المغربي في مجال الخبرة الطبية الشرعية يجد أنه لم يستقر على رأي موحد بخصوص القيمة الثبوتية لتقارير الخبراء، بحيث اتجهت بعض القرارات إلى اعتبار نتائج الخبرة غير ملزمة للقاضي فله أن يأخذ بنتائجها ويبني عليها حكمه، كما له أن يستبعدها ويستبدلها بغيرها من عناصر الدعوى وليس عليه في ذلك قيد سوى تسبيبه لحكمه وتعليله، وهو جاء في إحدى القرارات الصادرة عن محكمة النقض: “حيث إن تقدير البيانات المضمنة في تقرير الخبرة وملائمة الأمر بإجراء خبرة تكميلية يدخل في إطار سلطات قضاة الموضوع الذين بينوا في هذه القضية مواضع النقض التي حدت بهم إلى استبعاد تقرير الخبير، وعللوا مقررهم بملاحظات واقعية لهم فيها السلطة التقديرية“.

ثم سار العمل العمل القضائي لمحكمة النقض في اتجاه آخر عندما اعتبر أنه: “لئن كان من حق المحكمة تقدير قيمة المستندات والوثائق المعروضة عليها بما فيها تقرير الخبرة، فإنه عليها أن تتجنب في ذلك تحريفها وسوء تقديرها، إن استبعاد نتيجة الخبرة الطبية تأسيسا على معاينة للحالة الظاهرية للطاعن من خلال جوابه على أسئلتها بكل تلقائية من غير أن تستند إلى خبرة طبية مثلها أو أقوى منها، تكون قد بنت قرارها بهذا الخصوص على تعليل فاسد“.

وقد أخذت محكمة النقض على تكريس هذا التوجه الأخير في العديد من قراراتها، حيث جاء في قرار آخر ما يلي: “إنه إذا كان الأصل أن محكمة الموضوع لها كامل السلطة في تقدير وسائل الإثبات المعروضة عليها فإن ذلك مشروط بأن تكون المسألة المعروضة ليست من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة بنفسها إبداء الرأي فيها مما يتعين معه عليها الاستعانة بأهل الخبرة للوصول إلى غاية الأمر فيها، والمحكمة المطعون في قرارها وقد ناقشت الخبرة الطبية المنجزة فإنه كان عليها وقد ساورها الشك فيما قرره الخبير أن تستجلي الأمر بالاستعانة بغيره من أهل الخبرة للبت في هذه الحالة وجودا أو عدما لما يترتب عليها من قيام أو انعدام مسؤولية المتهم، أما وأنها استندت في دحض ما انتهت إليه الخبرة من انعدام مسؤولية العارض على ما عاينته بالجلسة من اتزان في طبعه وشخصيته وعدم انفعاله وعصبيته دون أن تدعم ما انتهت إليه بوسائل فنية مماثلة تكون قد خرقت الفصل 76 من القانون الجنائي ولم تجعل لما قضت به أساسا صحيحا فجاء قرارها مشوبا بنقصان التعليل الموازي لانعدامه وعرضت قرارها للنقض“.

وجاء في قرار آخر: “المحكمة حينما انبرت بنفسها إلى تفنيد واستبعاد ما خلصت إليه خبرة قضائية طبية في أمر يدخل في مسائل تقنية ورتبت عنها نتائج قانونية دون أن تسترشد في ذلك بخبرة أخرى لذوي الاختصاص تأمر بها لتوضيح أمر لا تقوم فيه مقام الخبير، تكون قد بنت قضائها على تعليل ناقص يوازي انعدامه ويعرض قرارها للنقض والإبطال“.

إن هذا التوجه الأخير الذي عملت محكمة النقض على تكريسه لهو عين الصواب لأنه يزاوج بين رقابة القاضي على أعمال الخبرة النفسية باعتبارها الخبير الأعلى في الدعوى وبين القيمة الثبوتية لتقارير الخبرة الطبية الشرعية التي تنصب على كشف المسائل الفنية التي لا تمتد إليها مدارك القاضي؛ والتي تتعلق بشكل مباشر بتحديد سلامة القوى العقلية للمتهم وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه تمهيدا لتقدير درجة مسؤوليته الجنائية، مما يجعل من التقارير الشرعية النفسية تحديدا من القيود التي ينبغي أن يراعيها القاضي عند تكوين قناعته الوجدانية، وهو ما جاء في إحدى القرارت الصادرة عن محكمة النقض: “إن استنتاج الخبير الذي يضمنه في تقريره يمثل قيدا على القاضي الجنائي في تكوين عقيدته في الدعوى والبت فيها على وجه الجزم واليقين“.

خاتمة:

ختاما يمكن القول إن الخبرة الطبية الشرعية تعد الوسيلة الوحيدة التي تعين القاضي على فهم الإشكلات التقنية والفنية المرتبطة بطبيعة الخلل العقلي الذي يعاني منه المتهم ومدى تأثيره على مسؤوليته الجنائية وما يستتبع ذلك من تحديد أهليته لتحمل العقاب أو التصريح بإعفائه وإيداعه لمستشفى الأمراض العقلية، وبالتالي فإنه صار لزاما الاهتمام بالسياسات العامة في مجال الصحة العقلية لأن إهمالها ينعكس على جودة الخدمات التي يؤديها خبراء الطب الشرعي النفسي في إطار مساعدتهم لمرفق العدالة على تحديد الأمراض التي يعاني منها المتهم الماثل أمام القضاء تمهيدا لتحديد درجة مسؤوليته الجنائية، لأن اعتماد الخبرة الشرعية النفسية على المعارف المرتبطة بالعلوم الإنسانية (علم النفس بمختلف فروعه) التي تختلف عن العلوم الحقة، يجعل من النتائج المتوصل إليها تختلف في كثير من الأحيان في القضية الواحدة وعلى نفس المتهم، الأمر الذي قد يضرب مصداقية هذا النوع من الخبرات في الصميم ويؤدي إلى التشكيك فيها، ومن بين أهم المقترحات التي أرى أنها ستعين على تجاوز هاته الإشكالات التي سبق أن أشرت إليها في هاته الدراسة أذكر ما يلي:

  • تحسين ظروف إنجاز الخبرة لأن محدودية وقت الفحص المجرى من حيث الزمان، وضعف التعرف إلى السوابق المرضية وماضي الأشخاص الخاضعين للفحص في ظل ضعف وقلة المعلومات التي يقدمها لهم الأقارب والمحيطين بالمرضى، فضلا عن صعوبة تحديد الحالة العقلية للجناة انطلاقا من مقابلة واحدة تتم غالبا في ظروف خاصة وغير مريحة، كلها عوامل قد تفقد الخبرة الطبية الشرعية مصداقيتها وتعزز من تنامي ظاهرة تصنع المرض العقلي أو إخفائه.
  • توفير الموارد البشرية الكافية من الأطر الصحية العاملة في مجال الطبي النفسي والعقلي وتحفيزهم على الانخراط في ميدان الطب الشرعي قصد مساعدة محاكم الموضوع على بلوغ العدالة المنشودة من قبل النظام العقابي الذي يتوخى بالدرجة الأولى تحقيق الردعين العام والخاص.

بيبليوغرافيا:

الكتب:

  • سليمان تادرس برسوم، إجراءات الإثبات في قانون المرافعات، د ذ ط، الدار المصرية للطباعة والنشر الإسكندرية 1953.
  • عبد الوهاب حومد، أصول المحاكمات الجزائية، الطبعة الثالثة، مطبعة الجامعة السورية 1957.
  • آمال عبد الرحيم عثمان، الخبرة في المسائل الجنائية -دراسة قانونية مقارنة-، د ذ ط، دار مطابع الشعب القاهرة 1964.
  • مأمون محمد سلامة، قانون الإجراءات الجنائية معلق عليه بالفقه و أحكام النقض، الجزء الثاني، د ذ ط، مكتبة رجال القضاء القاهرة 1980.
  • حسن بن محسن بن أحمد القرشي الزهراني، الخبرة و دورها في إثبات موجبات التعزير و تطبيقاتها في المملكة العربية السعودية، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض 1420-1421 هجرية.
  • محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجزائية، د ذ ط، دار النهضة العربية القاهرة 1982.
  • أدولف ريبولط، القانون الجنائي في شروح ترجمة زينب الطالبي، منشورات جماعة تنمية البحوث والدراسات القضائية، د ذ ط، دار المعرفة للنشر والتوزيع 1990.
  • أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الثاني -التحقيق الإعدادي- المحاكمة- طرق الطعن، الطبعة الثالثة، مطبعة المعارف الجديدة 1990.
  • مديحة فؤاد الخضري وأحمد أبو الروس، الطب الشرعي والبحث الجنائي، د ذ ط، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1991.
  • محمد الإدريسي العلمي المشيشي، المسطرة الجنائية -الجزء الأول- المؤسسات القضائية-، د ذ ط، مطبعة المعارف الجديدة 1991.
  • مصطفى مجدي هرجه، ندب الخبراء في المجالين الجنائي و المدني، د ذ ط، دار محمود للنشر و التوزيع القاهرة 1995.
  • علي عوض حسن، الخبرة في المواد المدنية و الجنائية، د ذ ط، دار الفكر الجامعي الإسكندرية 1997.
  • أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول، الطبعة السادسة، دار نشر المعرفة الرباط 1999.
  • حسين عبد السلام جابر، التقرير الطبي بإصابة المجني عليه و أثره في الإثبات في الدعويين الجنائية و المدنية، د ذ ط، دار الكتب القانونية 1998.
  • عادل يحي قرني علي، النظرية العامة للأهلية الجنائية -دراسة مقارنة-،د ذ ط، دار النهضة العربية القاهرة 2000.
  • كمال الودغيري، الخبرة في القانون المغربي -دراسة تأصيلية و تطبيقية-، الطبعة الأولى، مطبعة أبي فاس 2001.
  • لحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، الجزء الأول -البحث في الجرائم و التثبت منها، البحث التمهيدي، التحقيق الإعدادي، الإثبات الجنائي-، د ذ ط، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية العدد 56 سنة 2006.
  • شعبان محمود الهواري، أدلة الإثبات الجنائي، الطبعة الأولى، دار الفكر والقانون المنصورة 2013.
  • عبد المعبود رجاء محمد، مبادئ علم الطب الشرعي والسموم لرجال الأمن والقانون، الطبعة الأولى، دار الحامد للنشر والتوزيع الأردن- عمان 2014.
  • أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، الكتاب الأول، الأحكام العامة للإجراءات الجنائية- الإجراءات السابقة على المحاكمة- إجراءات المحاكمة، الطبعة العاشرة، دار النهضة العربية القاهرة 2016.
  • عبد الكافي ورياشي، المرض العقلي و النفسي و أثره على المسؤولية الجنائية -دراسة تأصيلية تحليلية على ضوء العمل القضائي بالمغرب-، الطبعة الأولى، مكتبة الرشاد سطات 2019.
  • عبد الحميد الشواربي، الخبرة الجنائية في مسائل الطب الشرعي، د ذ ط، منشأة المعارف الإسكندرية، د ذ ت.
  • هلالي عبد الله أحمد، النظرية العامة للإثبات الجنائي -دراسة مقارنة بين النظم الإجرائية اللاتينية والأنجلوسكسونية والشريعة الإسلامية-، د ذ ط، دار النهضة العربية مصر، د ذ ت.
  • محمد عياط، دراسة في المسطرة الجنائية المغربية -الجزء الأول-، الطبعة الأولى، منشورات شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، د ذ ت.

الأطروحات والرسائل:

  • النوي آمنة، اتجاهات المختصين في الطب العقلي -رجال القانون و الأخصائيين النفسيين العاملين في ميدان السجون في الخبرة النفسية لجريمة القتل، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علم النفس، كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية جامعة باتنة الجزائر 2016-2017.
  • صلاح الدين قاسمي، آثار العاهات العقلية على المسؤولية الجنائية، رسالة نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء 2009-2001.

النصوص القانونية:

  • ظهير شريف رقم 1.59.413 صادر في 28 جمادى الثانية 1382 موافق ل26 نونبر 1962 بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي كما تتميمه وتعديله.
  • ظهير شريف رقم 1.58.295 صادر بتاريخ 30 أبريل 1959 بشأن الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها.
  • ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 من رجب 1423 موافق ل3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
  • ظهير شريف رقم 1.20.08 صادر في 11 رجب 1441 موافق ل6 مارس 2020 بتنفيذ القانون رقم 77.17 المتعلق بتنظيم ممارسة مهام الطب الشرعي.

الأحكام والقرارات القضائية:

  • قرار تمهيدي عدد 19-05 الصادر بتاريخ 12 أبريل 2005 عن غرفة التحقيق الأولى باستئنافية القنيطرة في الملف رقم 17/05.
  • قرار تمهيدي عدد 648 صادر عن الغرفة الجنائية الابتدائية باستئنافية القنيطرة بتاريخ 22/12/2010 في الملف الجنائي رقم 418/2610/2010.
  • قرار عدد 756 صادر بتاريخ 26 يونيو 2013 في الملف الجنحي عدد 2050/6/3/2013.
  • قرار عدد 756 صادر بتاريخ 26 يونيو 2013 في الملف الجنحي عدد 2050/6/3/2013.
  • قرار عدد 1037/5 صادر بتاريخ 21/10/2015 في الملف الجنائي رقم 8289/6/5/2015.
  • قرار عدد 758/4 صادر بتاريخ 03/04/2002 في الملف الجنحي رقم 10154/01.
  • قرار عدد 520/9 صادر بتاريخ 09/04/2008 في الملف الجنائي رقم 19229/6/9/2007.
  • قرار عدد 1885/1 صادر بتاريخ 10/09/2003 في الملف الجنحي عدد 9440/03.



Source link

🌐 ابقَ على اتصال! تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي لتكونوا أول من يعرف عن أحدث الاختبارات والمحتويات القانونية المفيدة.


صفحتنا على فايسبوك قناتنا على اليوتوب مجموعاتنا على الواتساب حسابنا انستغرام

إختبارات ذات صلة بهذا الإختبار

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock